Thursday, January 25, 2007

جنتشان مبسوطة شويتين

كنا في الأيام الأخيرة من الرحلة، طبعاً اكتئاب وخنقة عشان هنسيب الدلع ده ونرجع للهم تاني، المهم كان كل الناس بتودع بعضها، وتتبادل الهدايا وخلافه. كنت قاعد انا وشوشو واحمد في الكابينة بتاعة الأخير لما دخلت علينا الآنسة جنتشان من الوفد الياباني، حاجة كدة صغنتوتة وعسولة ومركبة تقويم أسنان وبتضحك على طول، يعني سكر البنت كانت.. المهم دخلت علينا مبسوطة كالعادة مش عارف ليه، فقلت اروح اجيبلها اي هدية قبل ما انسى، احمد برضه حب يقوم بالواجب وشوشو بيصوّر كالعادة، الحقيقة البنت كانت فرحانة بشكل هيستيري، احنا نفسنا مقدرناش نقاومه من الضحك



Wednesday, January 24, 2007

Gido the Barber

دي أحد ذكرياتنا اللطيفة على المركب، طبعاً شهرين على مركب، أي بني آدم مصري شعره مش سايخ ونايح محتاج يقص شعره، وعشان تقص شعرك على مركب خمس نجوم، محتاج تدفع ما يعادل 150 لحلوح، وطبعاً مفيش حد ملحلح زينا نحن معشر المصريين، المهم يشاء السميع العليم والأخ جيدو حفظه الله ورعاه يشتري مكنة من سنغافورة حلف ليستعملها ف مصر ويوفر تمن الحلاق. جيدو حب يجرب المكنة الجديدة والزباين طبعاً كتير، لكن اول زبون بياخد كريمة الخبرة كلها بقى، كان مين الزبون، د. أحمد - أبو أدهم حالياً - ومين بيصوّر.. الأخ شوشو تشان الله يسامحه.. وطبعاً المسخرة اللي حصلت دي مكانتش غريبة أبداً على المجموعة السعيدة اللي كانت حاضرة



Tuesday, January 23, 2007

فقط للذكرى


هذه المذكرات كتبتها أثناء وبعد برنامج سفينة شباب العالم (يناير-مارس 2004)، وسأقوم لاحقاً بإضافة الصور والفيديوز لو فيه وقت، وهذا فقط للذكرى

عمر




مقدمة لابد منها:

تم اختياري ضمن 12 شاب وفتاة، لتمثيل مصر في برنامج "سفينة شباب العالم"، الذي تنظمه وتموله اليابان منذ عام 1988، وهو عبارة عن سفينة ركاب فخمة اسمها "نيبون مارو"، تبحر مرة كل عام وعلي متنها حوالي 120 شاب وفتاة من اليابان، وحوالي 150 شاب وفتاة من وراء البحار، يعيشون معاً لمدة شهرين، يزوروا خلالهما عدداً من الموانيء في دول مختلفة بما فيها اليابان كمكان بداية الرحلة، ولقد اشترك في هذا البرنامج حتى الآن وعلي مدار 16 عام هي عمر البرنامج، ما يقرب من 4500 شاب وفتاة من 62 دولة مختلفة.

نيبون مارو

الغرض من البرنامج كما تقول الحكومة اليابانية، هو " تعزيز الصداقة والتفاهم المشترك بين شباب اليابان والشباب من كافة الدول، من أجل توسيع مداركهم علي العالم، ولتقوية الحافز والقدرة لديهم علي التعاون الدولي من خلال الاشتراك في أنشطة مختلفة تجمعهم علي متن السفينة، مثل المحاضرات في مواضيع مختلفة، المناقشات، ومن خلال زيارتهم لبعض الموانيء خلال الرحلة، هذا غير التواصل بين الشباب المشارك في غير أوقات البرنامج الرسمي".

والحقيقة أن التنوع الكبير في اختيار الدول المشاركة كل عام، والذي تراعي فيه عوامل التنوع الجغرافي والثقافي، يجعل من البرنامج بحق حدثاً رائعاً علي كل المستويات، خاصة أن أسلوب وضع البرنامج يركز علي إتاحة كل الظروف الممكنة لاختلاط وتواصل الشباب المشارك، مع احترام الفوارق الثقافية، والحساسيات التي قد توجد لدي بعض الوفود من بعض أشكال الاختلاط، أو حتى الأمور التي تتعلق بالطعام وأماكن العبادة، مما ييسر الأمر علي الجميع، ويخرج البرنامج بأفضل نتائج ممكنة.

"نيبون مارو" هي السفينة التي تستضيف البرنامج سنوياً، سفينة ركاب ضخمة مصممة لاستيعاب حوالي 350 مسافر غير الطاقم، ومملوكة لشركة خطوط ملاحية يابانية، حيث تقوم برحلات لمسافرين عاديين حول العالم في غير وقت البرنامج..

السفينة مكونة من ثمانية طوابق، ومجهزة بتجهيزات فندقية راقية، تفي بكل الاحتياجات الأساسية والثانوية للركاب، مما يجعلها مدينة صغيرة عائمة، كما يضفي البرنامج عليها جواً خاصاً، للتنوع الكبير في ثقافات وجنسيات الشباب الموجود علي متنها، مما يجعلها نموذجاً مصغراً للعالم، أو أمم متحدة تجوب البحار والمحيطات.

الحلم من البداية:

كانت هذه مقدمة لابد منها، أما التفاصيل فأحاول حصرها واستيعابها أنا وكل زملائي من الوفد المصري أو الوفود الأخرى، منذ أن انتهي البرنامج في الرابع من مارس الماضي، لقد أجمعنا كلنا كمشاركين أن الأمر كان أشبه بالحلم، ولا يزال البعض غير مصدقاً أن الأمر بدأ وانتهي هكذا بهذه السرعة، رغم أن مدة البرنامج قاربت من الشهرين..

بدأ الأمر تحديداً في أغسطس الماضي، عندما عرفت بالصدفة عن البرنامج بحكم دارستي للغة اليابانية في المركز الثقافي الياباني، كنت قد سمعت عنه ولكن لم يكن لدي فكرة عن وقت إقامته، أو طريقة الاشتراك فيه، ولكن هاهي الفرصة أمام عيني، والشروط لحسن الحظ تنطبق عليّ.

لكن التفاصيل التي عرفتها عن الرحلة في ذاك الوقت جعلتني أعتقد أن الاشتراك لن يكون بهذه السهولة؛ فبوسعي إن نجحت أن أشترك في برنامج يشارك فيه شباب من 12 دولة غير مصر، هي اليابان، البحرين، الهند، نيوزيلندا، النرويج، بيرو، روسيا، سيشل، جزر السولومون، الإمارات العربية المتحدة، تنزانيا و الولايات المتحدة الأمريكية. .

كما أن البرنامج كما شرحت غير عادي، حيث تقام معظم فعالياته علي متن سفينة عملاقة، تلك السفينة ستبحر من اليابان لترسو علي أربعة موانيء أخري في أربع بلاد، هي سنغافورة، الهند، تنزانيا، سيشل ثم تعود مرة أخري لليابان بعد أن تكون قد أبحرت لمدة حوالي شهرين في المحيط الهندي. أيمكن تصديق هذا، إنها بحق رحلة العمر.

الاختبارات والتحضير:

المطلوب 12 شخصاً فقط ليمثلوا مصر هذا العام. كان الاختبار الذي عقد بالمركز الثقافي الياباني عبارة عن مقابلتين شخصيتين، من ينجح في الأولي، يدخل الثانية، ومن ينجح في الثانية فهو أحد أفراد الوفد المسافر.

المقابلة بالإنجليزية، والأسئلة في كل اتجاه، أسئلة شخصية وأسئلة عن مصر وعن اليابان والعالم، والفنون والجغرافيا وكل شيء.. كل ما قيل لنا بعد المقابلات، "انتظروا النتيجة علي البريد الالكتروني في غضون أسبوعين، سنرسل فقط للناجحين"، ومر الأسبوعين، وأنا اختبر صندوق بريدي كل يوم، ولا حس ولا خبر، حسناً كنت أعرف أن الأمر ليس بهذه البساطة.. ولكن بعد الأسبوعين بأيام قليلة، فوجئت ببريد يقول "مبروك، لقد نجحت".

كانت فرحة استثنائية وغير مفهومة لي ولزملائي الذين اختيروا أيضاً، ولم أكن قد عرفت أياً منهم بعد، ولكننا سرعان ما اجتمعنا، وبدأنا الإعداد للحلم..شهرين تقريباً، ونحن نتقابل بشكل شبه يومي، بدأنا في دراسة تفاصيل البرنامج وكيفية الإعداد له، وتلقينا المساعدة والنصيحة من بعض المشاركين المصريين السابقين في البرنامج، حيث تشترك مصر مرة كل عامين، بشكل منتظم تقريباً منذ انطلاق البرنامج، ولها سجل مشرف فيه.

اجتماعات قبل السفر

المهمة ليست سهلة والمسئولية كبيرة، والعمل كفريق خيار لا ثاني له، البعض يقوم بإجراءات السفر، والبعض يجمع ويترجم معلومات من الانترنت، وآخرون يحضرون أقراص الموسيقي، والمأكولات والهدايا مصرية..

أما التحدي الكبير، فكان تعلم رقصات شعبية مصرية في تلك الفترة القصيرة، لاستخدامها في العرض الوطني لمصر علي السفينة. أنا أرقص، تخيلوا!! كانت مهمة صعبة، ولكن رغبتنا في التميز والظهور بالشكل المرضي، جعلتنا بمساعدة الجميع، وبتوفيق من الله، نتم استعدادنا لكل شيء تقريباً قبل ميعاد السفر، وبدأ العد التنازلي..

13 يناير.. الطريق إلي طوكيو:

كان صباحاً ممطراً، حيث تجمع أعضاء الوفد المصري في مطار القاهرة، البعض يسافر لأول مرة، وبدأت الأسئلة المتعبة عن قواعد سلامة الطائرات، والبرد القارص في اليابان، وأسعار الوزن للحقائب الضخمة التي نحملها، و.. و لكن ليس هناك وقت، ميعاد الطائرة مقدس، وها هي الطائرة تعلو بسرعة لتقطع الرحلة في حوالي 17 ساعة بما فيها وقفتين في مطاري دبي، وسنغافورة.

هبطت الطائرة أخيراً في مطار ناريتا الدولي في طوكيو. الحرارة خارج الطائرة 3 درجات مئوية، أهلاً بالبرد. بعد إنهاء الإجراءات، عثرنا علي الوفد الأمريكي الذي وصل في نفس الوقت تقريباً، سريعاً بدأنا التحية والتعارف، قبل أن يتلقفنا المسئولين اليابانيين، حيث استقللنا حافلة للفندق الموجود في قلب طوكيو، والتي بدت وكأنها تستعد للنوم في ذاك الوقت..

تشاركت غرفة الفندق مع هاني زميلي في الوفد المصري، وتبادلنا إبداء الإعجاب بكل تلك التكنولوجيا من حولنا، كما أصبح الجو يغري بالنوم بعد تلك الرحلة الطويلة، ولكن من ذا الذي يجرؤ علي النوم في أول ليلة في طوكيو!!

كان د/إبراهيم قائد الوفد قد سبقنا في المجيء لنفس المكان في أكتوبر الماضي، لحضور مؤتمر لقادة الوفود المشاركة، ولهذا فقد أخذ علي عاتقه مهمة المرشد السياحي لمنطقة ما حول الفندق، والتي تسمي "روبونجي"، وهي منطقة حيوية، بها فنادق كبيرة، ومقرات للعديد من الشركات اليابانية العملاقة، المحلات كثيرة وعلي كل نوع، ولكننا عانينا في تلك الليلة من شيئين، الأول هو الحصول علي وجبة تعفينا من أي صدمات ثقافية في الليلة الأولي، والثاني استخدام كروت التليفون الدولي، التي لها العديد من الأسعار والأنواع وطرق الاستخدام.

الوقت كان متأخراً نوعاً ما، حيث قاربت الساعة من العاشرة، لكن الحركة ما زالت نشيطة، والمحلات كانت تستقبل مزيداً من الرواد، بالرغم من برودة الجو الملحوظة. أما الأسعار فكانت مرتفعة بشكل ملفت، فتذكرة المترو مثلاً يبدأ سعرها من 160 ين ياباني، أي ما يعادل حوالي 8 جنيهات مصرية، أما زوج الجوارب العادي فيبدأ سعره من 60 جنيهاً مصرياً، ولن أحكي لكم عن أسعار التاكسي، فقط أنصحكم ألا تركبوه إذا كنتم ممن لا يحبون الإسراف!!.

14 يناير..صباح الخير يا طوكيو:

في الصباح شهدنا بداية يوم جديد في طوكيو، حيث بدا المشهد وكأنه فيلم صامت، فرغم كثرة عدد الناس والسيارات هنا وهناك، إلا أن صوتاً تكاد لا تسمعه، فكل شيء يسير وفق نظام صارم يحترمه الجميع. كان علينا أن نختار بين نوعين من الإفطار، إما إفطار ياباني أو إفطار غربي تقليدي، ومع حبنا للمغامرة، فقد آثرنا السلامة بعد تجربة ليلة أمس.

جدول اليوم هو اجتماع صباحي لكل الوفود - عدا الوفد الياباني المخبأ في مكان ما- للتعارف بينهم والتعرف علي طاقم إدارة الرحلة من الجانب الياباني، حيث تلقينا شرحاً عن طبيعة البرنامج ومراحله، وشاهدنا بعض الأفلام الوثائقية عن البرامج السابقة. يبدو الأمر رائعاً، الكل متحمس، وجواً من الود ساد الجميع.

بعدها اصطحبتنا متطوعات يابانيات كن قد شاركن في نفس البرنامج في سنوات سابقة، لعمل جولة في مدينة طوكيو. استخدمنا المترو لأول مرة في طوكيو، حيث فوجئنا بهذا العدد الهائل من خطوط المترو، والتي يحتاج استخدامها إلي الاستعانة بخريطة معقدة للخطوط وأماكن التبديل بينها.

أول زيارة كانت لمنطقة أثرية تسمي "أساكوسا"، وهي تقع في طوكيو القديمة، ويوجد بها معبد "سنسوجي" الذي بني في القرن السابع الميلادي، ويعتبر أقدم معبد في طوكيو، وفي الطريق إليه شارع بطول 200 متر، علي جانبيه محلات تباع فيها الهدايا والأطعمة اليابانية التقليدية. المكان كان مليئاً باليابانيين الذين جاءوا للتعبد، والسائحين الذين جاءوا لمشاهدة أحد أهم معالم طوكيو.

ذهبنا للغداء في مطعم قريب ذو طابع خاص، حيث يوجد سطح معدني ساخن علي كل طاولة طعام، يؤتي إليك بمكونات الوجبة التي طلبتها، وعليك الاستمتاع بتناولها بعد طهيها بنفسك علي السطح الذي أمامك، يسمي هذا النوع من الطعام (أكونومو- ياكي)، وفي هذه الأثناء كنا قد تلقينا من مرشداتنا اليابانيات درساً سريعاً في استخدام (الهاشي)، أو عصي الطعام اليابانية الشهيرة، وبالهناء والشفاء.

تحركنا بعد ذلك في شوارع طوكيو المزدحمة متجهين إلي منطقة (أكيهابارا)، وهي مشهورة بمتاجر الأجهزة الالكترونية، حيث قضينا وقتاً مبهجاً في استكشاف هذا العالم من المتاجر والسلع والأجهزة، كما استغرقنا وقتاً في تحويل تلك الأصفار الكثيرة إلي الجنيه المصري، ولم تكن هذه آخر الصدمات الحضارية في اليابان.

بعد العودة للفندق، كان علينا أن نرتدي سريعاً الزى الرسمي، حيث سيبدأ حفل افتتاح البرنامج، والذي تحضره وزيرة التعليم اليابانية، ومن حسن الحظ أن مصر كانت مسئولة عن إلقاء كلمة الافتتاح بالنيابة عن باقي الوفود، حيث قامت "نعمة" زميلتنا الاسكندرانية، بتحضير وكتابة الكلمة بالإنجليزية و اليابانية، ففوجئ الجميع بفتاة مصرية تتحدث اليابانية بطلاقة، وزاد من سعادتنا وجود السفير المصري في طوكيو السيد/ هشام بدر الذي هنأنا، ثم دعانا نحن وبعض أفراد الإدارة اليابانيين إلي حفل استقبال رسمي في منزله في اليوم التالي، وكانت دعوة كريمة جداً.

15 يناير.. موعد مع ولي العهد:

في اليوم التالي، تم تقسيم المشاركين إلي مجموعات، لعمل زيارات رسمية لبعض الأماكن الثقافية والصناعية في طوكيو، ذهبت مجموعتي لصحيفة "ماينيتشي" أعرق الصحف اليابانية، كما ذهبت باقي المجموعات إلي أماكن أخري مثل حفل للشاي الياباني، عرض كابوكي ( المسرح التقليدي الياباني)، عالم سوني، و إحدى المدارس الابتدائية

أما قادة الوفود ونوابهم، فقد تمت دعوتهم لزيارة كل من ولي العهد الأمير "ناروهيتو"، و رئيس الوزراء السيد/ كويزومي. وعرفنا أن ولي العهد قد استقبل زملائنا بحفاوة، وأبدي رغبته في زيارة مصر، علي الرغم من ندرة أسفاره خارج اليابان.

في المساء كان موعدنا مع حفل الاستقبال في بيت السفير المصري، حيث حظينا نحن وأعضاء الإدارة اليابانيين بحفاوة وكرم شديدين من السيد السفير وكل أعضاء السفارة، وقضينا ليلة مصرية جميلة علي أنغام العود الذي أعزفه، هذا طبعاً بعد وجبة عشاء مصرية كنا نفتقدها كثيراً، بصراحة شعرنا بفخر أمام اليابانيين الذين تعجبوا لهذا الاهتمام الرائع بنا من سفارتنا، خاصة أن أياً من باقي الوفود لم تحظي باهتمام مماثل من سفارات دولهم.

انتهي الحفل، وفي غمرة سعادتنا تذكرنا أنه لابد من حزم أمتعتنا، استعداداً للتوجه صباحاً إلي مقاطعة "طوياما" في غرب اليابان، حيث سيقيم كل منا في ضيافة أسرة يابانية لمدة يومين. المنظر داخل الغرف كان محبطاً، حيث تناثرت محتويات الحقائب هنا وهناك، ومع هذا قضينا معظم الليلة في عمل مقالب بريئة في بعض زملاؤنا من الوفد المصري، ولم ننم حتى الصباح.

16 يناير.. الطريق إلي "طوياما":

التاسعة صباحاً، محطة طوكيو العملاقة للقطارات، الجميع يهرول من أجل اللحاق بميعاد "الشينكانسن"، أو القطار الرصاصة، وهو من أسرع وأغلي القطارات في العالم.الحقائب ثقيلة، والمحطة واسعة جداً، وها نحن أخيراً داخل الشينكاسن، حيث قطع بنا رحلة قاربت من الخمس ساعات، لم تفتنا خلالها متعة مشاهدة الريف الياباني الساحر من نوافذ القطار.

"طوياما"، المقاطعة صاحبة أطول وأبرد شتاء في اليابان، كل شيء بلون الجليد. لا أعلم درجة الحرارة تحديداً، ولكن من المؤكد أنها تحت الصفر. الاستقبال الدافيء، ووجوه مستقبلونا البشوشة خففت عنا برودة الجو كثيراً. بدأنا بزيارة لمبني المحافظة، حيث استقبلنا المحافظ وألقيت الكلمات وتبادلنا الهدايا والتقطنا الصور.

ثم زرنا بعض الأماكن في المدينة، انتهت في المساء بحفل استقبال تواجدت فيه كل الأسر المضيفة، حيث تعرف كل منا علي أسرته، ثم تفرقنا جميعاً كل إلي بيته المؤقت، علي وعد باللقاء بعد يومين.

يومان في بيت ياباني:

أقمت مع أسرة صغيرة مكونة من أب وأم، وفتاتين 14، 16 عام. كنت محظوظاً لمعرفتي باللغة اليابانية - وإن كنت لا أتحدث بطلاقة- فالإنجليزية هنا مازالت مشكلة واليابان لم تزل جزيرة رغم كل شيء!!.

لم تكن حسن المعاملة والتأدب المفرط لدي اليابانيين مفاجأة لي، فهذا فولكلور هنا!!، لكن ما أسعدني فعلاً هو الشغف الحقيقي بكل ما هو مصري وعربي، لقد كنا بحق مثار اهتمام.

البيت مبني علي الطراز التقليدي من دور واحد، ليس فخماً ولكنه عملياً جداً. خلع الأحذية قبل الدخول للبيت هي إحدى العادات التي لا زال كل اليابانيين متمسكين بها. نظام التدفئة جيد وهو أساسي للحياة في هذا الجو. لم أجد أية مشكلة في النوم علي الفراش الياباني التقليدي ( فوتون)، وهو عبارة عن فراش وثير يفرش علي أرضية الغرفة، أحلم باقتناء واحد في بيتي.

في الصباح وجدت السيد "أكيهيرو" (الأب) يدعوني لاستخدام الـ " أوفورو"، وهو المغطس الموجود في كل البيوت اليابانية، ويملأ بمياه ساخنة (حوالي 40 درجة).الأوفورو فعال جداً لإراحة الأعصاب بعد أوقات العمل المرهقة. سألتني السيدة "مينيكو" (الأم) عن الأكلات التي أحبها والتي لا أحبها، وعموماً لم توجد مشاكل بالنسبة للطعام. كانت "أزوسا" الابنة الصغرى مشغولة غالباً بدروسها، أما "ميزوكي" الابنة الكبرى، فكانت مشغولة أكثر بالانترنت وبتدريبات “الجودو" التي قطعت فيها شوطاً كبيراً.

قضيت مع أسرتي، وأسرتيّ "أشرف" و"هاني" يوماً لا ينسي في المبني الاجتماعي لمدينة طوياما. كنا أكثر من 30 شخصاً قدم كل منا نفسه للآخرين، وكانت من الأشياء اللطيفة، دعوة اليابانيين للدكتور "عبد الفتاح"، وهو أستاذ مصري زائر في جامعة طوياما. رقصنا جميعاً علي أنغام الموسيقي المصرية، ثم طبخنا سوياً أكلة يابانية مشهورة تسمي "أودون"، بالإضافة للفول المدمس الذي أحضره "هاني"!!.

انتهي اليومان بسرعة كما يذوب ثلج طوياما في الصيف، وكان الوداع مؤثراً مع أسرنا المضيفة، حيث تولدت في وقت قصير علاقة من الود والاحترام بيننا وبينهم، أظن أنها تركت أثراً كبيراً في نفس كل منا، وخلقت لدينا رغبة قوية في أن نعرف أكثر عن الشعب الياباني، وأن نساعدهم في معرفتنا بشكل أفضل.

إذابة الثلوج:

بعد مغادرة طوياما، عدنا إلي طوكيو حيث أقمنا هذه المرة في "القرية الأوليمبية للشباب"، وهو ليس مجرد مكان لاستقبال الوفود الرياضية، فهو مجهز لاستضافة جميع أنواع الأنشطة المتعلقة بالشباب. المسافات تقترب، وأخذت روح البرنامج في الانتشار بين الجميع. هنا قابلنا الوفد الياباني لأول مرة، وقضت جميع الوفود ليلة صاخبة أطلق عليها ليلة "إذابة الثلوج"، حيث اشتركنا جميعاً ولأول مرة في ألعاب ومناقشات وأنشطة مشتركة.

في كل عام يحمل هذا البرنامج شعاراً جديداً، فكان شعار هذا العام هو"التحدي من أجل التغيير"، ومن خلال المناقشات تبادل المشاركون تصوراتهم بخصوص طبيعة الأشياء التي نحتاج لتغييرها، وطريقة هذا التغيير. تباينت الآراء لكن ثمة اتفاق بين الجميع، أن هناك الكثير الذي نحتاج أن نغيره سوياً في هذا العالم، والحقيقة أن أول ما تغير كان نحن وبدون حتى أن نشعر.

قضينا يومين في القرية الأوليمبية، عرفنا خلالهما المزيد عن مراحل الرحلة والمطلوب منا خلالها، فأصبح الجميع مستعداً للتوجه إلي ميناء "يوكوهاما" القريب من طوكيو، للانطلاق في عرض المحيط، علي متن "نيبون مارو".

قبل التوجه إلي "يوكوهاما"، قمنا بزيارة لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو، التي تعتبر مركزاً بحثياً وأكاديمياً كبيراً يتبع الأمم المتحدة، ويسهم بأنشطته العلمية في تحسين الواقع الدولي قدر الإمكان. أكثر من ساعتين ونحن نتناقش مع المسئولين عن الجامعة حول أنشطتها، وبالطبع تم التطرق إلي قضايا عالمية مثل العولمة، الفقر، والحروب وغيرها، وبالدور الأول شاهدنا معرضاً عن الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطينيون يومياً من خلال صور فوتوغرافية معبرة.

يوكــــــــــوهاما(21 يناير):

من الحافلة شاهدنا "نيبون مارو" بمدخنتها الحمراء المميزة، وهي تنتظرنا علي رصيف الميناء. أصبنا بنوبة جماعية من الحماس والبهجة ونحن ننهي إجراءاتنا استعداداً لدخول السفينة، وكم ضحكنا عندما رأينا منظرنا في تلك اللحظات في فيلم الفيديو الذي نفذه "عبد الرحمن" من البحرين، والذي شاهدناه جميعاً علي السفينة فيما بعد. لقد كنا مبهورون بكل ما يحدث، بما فينا المشاركين اليابانيين، وها نحن أخيراً داخل "نيبون مارو".

إنها فوضي اللحظات الأولي، لا يعلم أحد شيئاً عن المكان، والهدف الأول هو التخلص من تلك الحقائب الكبيرة ووضعها فوراً في المخزن الخاص بكل وفد في الدور الأول، وكان خبراً جيداً وجود 3 مصاعد في السفينة ذات الثمانية أدوار، حيث لم يتوقف أياً من تلك المصاعد لحظة واحدة طلوعاً ونزولاً.

زملائي في الكابينة كانوا اثنين، الأول هو (تسوتشي) من اليابان، يعمل ضابطاً في الجمارك وعمره 26سنة، أما (رود) من الولايات المتحدة، فيعمل ناشطاً في بعض الجمعيات الخاصة بإعانة المشردين في الولايات المتحدة، وعمره 27 سنة. كانت رفقتهما ممتعة وسهلة، فكنا نوقظ بعضنا صباحاً حتى لا يفوت أحد منا الإفطار، كما تبادلنا احترام مساحة الخصوصية لكل منا، ولن أنسي الهدوء الذي كانا يوفراه لي في كل وقت للصلاة.

بتنا ليلتنا الأولي في السفينة قبل الإبحار، وفي اليوم التالي 22 يناير، أعلنت نيبون مارو أنها مستعدة للانطلاق، وأعلنا بدورنا استعدادنا لبداية الحلم، حفل رائع، الموسيقي في كل زاوية من المركب، الجميع لا يجد كلاماً مفهوماً يقوله، البعض يرقص، والبعض وقف مشدوهاً وهو يشاهد ميناء يوكوهاما وهو يصغر شيئاً فشيئاً، وهاهي باقي السفن في الميناء تحيينا وتتمني لنا إبحاراً آمناً، وانطلقنا.

جولة في نيبون مارو:

تتكون نيبون مارو من ثمانية أدوار، نتنقل بينها عن طريق ثلاثة مصاعد كبيرة، أو علي الدرج. لم يكن مسموحاً للمشاركين بدخول بعض الأماكن علي السفينة مثل غرف المحركات والماكينات، ولكن الأماكن المسموح لنا بارتيادها كانت أكثر بكثير..

الدور الأول: هنا يوجد المسرح الذي يتسع لحوالى 250 شخص، كما يستخدم كقاعة سينما ومحاضرات. توجد أيضاً غرفة مخصصة لكل وفد لحفظ الأغراض الثقيلة، وبإمكاننا ليلاً الاستمتاع بلعب تنس الطاولة في نفس الدور، أما إذا مرضت فإن العيادة هنا مفتوحة لبعض الساعات يومياً.

الدور الثاني: أهمية هذا الدور أنه يحتوي علي قاعة الطعام التي نتناول فيها الثلاث وجبات الرئيسية، ولكنه يحوي أيضاً المغسلة المخصصة للمشاركين من الذكور، ويوجد بها غسالات وأجهزة تجفيف ومكاوي، ويكون كل شخص مسئولاً عن غسيل ملابسه بنفسه، ولكنها كانت فرصة طيبة أحياناً للتعرف علي الآخرين أثناء كي الملابس أو انتظار الملابس حتى تجف.

الدور الثالث: هذا الدور مخصص لغرف الإناث، كما يوجد به مكتب الإدارة، ومكتب البريد، والساونا والجاكوزي ومغسلة للإناث. توجد أيضاً غرفتين للصلاة بالنسبة للمسلمين (ذكور وإناث)، كما توجد ماكينات البيع بالعملات (الين الياباني فقط)، وتوفر بعض المشروبات والمأكولات والحلوى، وهي أشياء يحتاج إليها البعض بين الوجبات أو أثناء السهر بالليل.

الدور الرابع: هنا غرف الذكور، وقاعة الدولفين، وهي القاعة الرئيسية للسفينة، وتستخدم للعديد من الأغراض مثل الاجتماع الصباحي لكل المشاركين، وعروض السينما، وكل أنواع الاحتفالات والتجمعات الكبيرة، فهي مجهزة بمسرح وبيانو ونظام كامل للصوت والإضاءة وعرض الأفلام. توجد علي نفس قاعة الدولفين

الدور طرقة واسعة تطل علي البحر وتحيط بالسفينة، حيث يمكن مشاهدة الغروب والشروق والدلافين أحياناً، و ممارسة بعض الجري و قضاء الأمسيات.

الدور الخامس: يحتوي علي مكتبة، وغرفة علي الطراز الياباني تستخدم لحفلات الشاي وغيرها، كما يوجد متجر كبير يبيع أشياء كثيرة، مثل الملابس والهدايا وأفلام الكاميرات، ويوجد صالون للتجميل.

الدور السادس: صالة البيانو، هي صالة واسعة يوجد بها بيانو كبير إلي جانب العديد من الأرائك والكراسي المريحة، وتستخدم للحفلات والسهرات والاجتماعات. كما توجد في هذا الدور صالة أخري أصغر تسمي صالة عروس البحر، وبالخارج يوجد ملعب مفتوح متعدد الاستخدامات حيث نلعب كرة القدم أو السلة، وتقام فيه أيضاً بعض الاحتفالات.

الدور السابع: هنا حمام السباحة الذي يملأ من مياه المحيط مباشرة وله سقف متحرك يفتح في الأيام المشمسة، وحوله مساحة تصلح للحفلات وجلسات النقاش.

الدور الثامن: سطح المركب، ومزود بالعديد من الكراسي المريحة للاسترخاء في أي وقت ليلاً أو نهاراً. مشاهدة النجوم من هنا تجربة لا تنسي.

نظام البرنامج:

قسم المشاركين إلي مجموعات (A-M)، 13 مجـموعــة تتكون الواحدة من حوالي 20 مشارك نصفهم من اليابانيين والنصف الآخر يتكون من مشارك من كل دولة؛ بحيث تمثل كل مجموعة كل الوفود والجنسيات الموجودة علي السفينة. يقوم قائد كل وفد من الدول المشاركة بقيادة احدي المجموعات، كما يكون له اثنين من المساعدين، الأول من المشاركين اليابانيين، والآخر من غير اليابانيين، وتقسم أيام البرنامج بالتتالي علي المجموعات، فتقوم كل مجموعة في اليوم المخصص لها بإيقاظ كل السفينة عن طريق الإذاعة الداخلية، وكذلك تقوم بتنظيم الاجتماع الصباحي لكل المشاركين.

يوم علي نيبون مارو:

الاستيقاظ: الساعة السابعة والنصف صباحاً. تقوم المجموعة المسئولة عن اليوم بإيقاظ الجميع عبر الإذاعة الداخلية للسفينة، وتختار المجموعة الطريقة التي تراها لإيقاظ الجميع، فالبعض استخدم الموسيقي الخفيفة و"صباح الخير" بكل اللغات الموجودة علي السفينة، أما البعض الآخر فاستخدم موسيقي حية صاخبة، أو بعض الصياح لضمان استيقاظ الجميع، كما لم يتوانى البعض عن قرع الطبول بجانب الكبائن، والطرق بشدة علي الأبواب. إنه يوم جديد علي السفينة، ولا وقت حقاً للنوم.

الإفطار: قاعة الطعام هي المكان الدائم لكل الوجبات. لدينا 45 دقيقة فقط للإفطار، ولكنه وقت كاف للاستمتاع بالطعام أثناء النظر إلي المحيط، أو تجاذب أطراف الحديث مع الشباب من باقي الجنسيات.

الاجتماع الصباحي: يجتمع كل المشاركون وأفراد إدارة البرنامج بعد الإفطار، يجلس كلٌ حسب مجموعاتهم. يبدأ الاجتماع بالسلام الوطني لدولة قائد المجموعة المسئولة عن اليوم، وتكون المجموعة مسئولة عن تحضير شيء ما؛ لتنشيط الجميع في بداية اليوم، مثل تمارين رياضية علي أنغام الموسيقي، أو مسابقة يشترك فيها الجميع وهكذا.

الأنشطة اليومية: توجد فترتين لإقامة الأنشطة كل يوم (3 ساعات قبل وبعد الغداء)، الأنشطة متنوعة، مثل المحاضرات التي يلقيها علينا متخصصون في العديد من المواضيع مثل الأمم المتحدة والبيئة والفنون وغيرها، والمناقشات الجماعية وكانت عن قضايا مثل الإرهاب والعولمة والسعادة، كما استمتعنا بالأنشطة الرياضية والترفيهية التي يتسابق فيها جميع المشاركون من خلال مسابقات مختلفة، والعروض الوطنية وهي 30 دقيقة مخصصة لكل دولة لعرض ثقافتها وتاريخها وشخصيتها، عن طريق الموسيقي والرقص وعروض الفيديو والشرائح وغيرها.

يبقي أن أذكر أن كل تلك الأنشطة يتم التحضير لها وتنظيمها بالكامل عن طريق لجان مشكلة من المشاركين أنفسهم، ولهم مساحة حرية في إدارة الأنشطة بالطريقة التي يرونها مناسبة.

الغـــداء: من الثانية عشر والنصف إلي الساعة الثانية. تشكيلة يومية كبيرة من الأكلات من دول كثيرة، فهذا هو الساشيمي الياباني (سمك غير مطهو)، وهذا كشري من مصر، وهذه أكلة من بيرو وهكذا. كانت الطاولات عامرة بجنسيات ولغات ومناقشات وحكايات علي كل شكل ولون، والتي كان طعمها ألذ بكثير من أي طعام.

اجتماع المجموعات: إنها الخامسة وخمسون دقيقة، ميعاد الاجتماع اليومي لكل مجموعة علي حدي. نصف ساعة فقط، تنقل أثناءها أي معلومات من جانب الإدارة، ولا مانع من بعض الألعاب والمناقشات و القفشات وتبادل الهدايا، وبعد انتهاء الاجتماع يذهب الجميع لتناول وجبة العشاء.

وقت حر: وهكذا تنتهي الأنشطة الرسمية لليوم، ويبدأ وقت حر لا يخلوا من أنشطة أخري ينظمها المشاركون مثل عروض لأفلام من دول مختلفة، حفلات، ممارسة الرياضة، تجاذب الحديث، أو النوم وهو الاختيار الأخير للجميع، حيث يسهر معظم المشاركون إلي وقت متأخر من الليل.

و عموماً، هذا هو اليوم العادي علي نيبون مارو، بغض النظر عن الأيام الاستثنائية مثل الزيارات للموانئ أو أيام الأجازة.

قصاقيص من مذكراتي علي "نيبون مارو"

23 يناير (شكراً مجموعة J):

"شكراً علي انتخابي المساعد الثاني لقائد المجموعة J. قائد المجموعة هو "فرانسيس" من جزر السولومون، أما المساعد الآخر فهي "كوجو"، من اليابان بالطبع، يبدوا "فرانسيس" قائداً حكيماً و ظريفاً أيضاً، كما أشعر بألفة مع باقي أفراد المجموعة. حسناً، مسئولياتي كمساعد للقائد ليست بهذه الصعوبة، ولكنها مسئولية علي أية حال.

اليوم كان "نشاط المجموعة" جزءاً من البرنامج الرسمي، وهي المرة الأولي التي نقوم بهذا سوياً. قررت مجموعتي أن نلعب ألعاباً تساعدنا علي التعرف أكثر علي بعضنا البعض، ولا مانع من بعض الموسيقي من كل بلد. مهمتي أنا و "كوجو" كانت حجز المكان الذي سنقيم فيه النشاط وCD player من أجل الموسيقي، كل شيء هنا بنظام، فليحيا النظام. كان وقتاً رائعاً استمتعنا فيه بالتعارف والموسيقي والضحك، وشعرنا بعده أننا أقرب كثيراً من ذي قبل.. "

25 يناير (أكثر من نظرة للسعادة)

" ما هي السعادة؟ هل نتفق علي مفهوم واحد لها، وكيف نصبح سعداء ونسعد من حولنا، وهل لمفهوم السعادة علاقة بثقافة كل منا؟. أسئلة كثيرة طرحناها في أول حلقة نقاش، والتي كانت عن السعادة. لاحظت شيئاً غريباً أثناء المناقشة، فمن المنطقي أن نبدوا سعداء ونحن نتناقش عن السعادة، لكن الذي حدث أن جواً من الجدية ومسحة من الحزن سادت النقاش، أعتقد أن نقاشنا عن السعادة جعلنا نتذكر كم هي عزيزة وبعيدة، ولكنه كان ممتعاً جداً أن يتبادل آراء وأفكار عن السعادة، شباب من تنزانيا، أمريكا، اليابان، البحرين، مصر.. الأفكار كثيرة والآراء متنوعة، لكننا اتفقنا في النهاية أن المشاعر الإنسانية تكاد تكون واحدة في أي مكان، وأن أسباباً للسعادة لا يختلف عليها اثنين، مثل العدالة، راحة البال ومساعدة الآخرين.."

28 يناير ( ساعات في سنغافورة)

"أخيراً أرض!!.. بعد حوالي أسبوع كامل من الإبحار ودوار البحر، وصلنا إلي وجهتنا الأولي (سنغافورة). صحوت متأخراً في التاسعة صباحاً بسبب السهر ليلة أمس. "رود" و "تسوتشي" ليسوا هنا، لماذا لم يوقظوني؟ نظرت من نافذة السفينة، ما هذا.. لقد وصلنا سنغافورة، أتمني ألا يكونوا خرجوا وتركوني.. ربنا ستر، لقد لحقت بهم قبل أن يخرجوا. قبل الخروج، معلومات مشددة من الإدارة بعدم التأخير عن الساعة الخامسة، والمتأخر سيحرم من الخروج في الميناء التالي.

في سنغافورة الوقت كان ضيق جداً، فهي ليست ضمن البرنامج الرسمي، والسفينة توقفت فقط لتموين المياه والوقود. خرجنا سوياً كوفد، الحرارة تعدت الثلاثين بدرجات، والأمطار قوية جداً، أول مرة نكون في هذا الجو. ما كل هذه الخضرة، شيء مبهج بحق، ناهيك عن النظافة التامة لكل شيء. تسمي سنغافورة "بلد الغرامات Fine country"، لارتفاع قيمة الغرامات الفلكية علي أي كسر لقواعد النظافة والمرور، وأي قواعد أخري. حسناً فهمت الآن..

كانت ساعات قليلة، قضينا معظمها في التسوق. غادرنا سنغافورة في السابعة مساءاً، ونحن في انتظار الرجوع إليها في نهاية البرنامج للتموين مرة أخري، فهناك الكثير الذي لم نشاهده بعد..”

1 فبراير (مصر في عيونهم)

" الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، إنه عيد الأضحى المبارك، ولأول مرة يعود علينا بدون الفتة واللحمة، ولكننا لم نفتقد صلاة العيد والحمد لله، وعلي الرغم من أن الصلاة تقام في وقت مبكر، إلا أن العديد من زملائنا اليابانيين وغير اليابانيين حرصوا علي مشاهدة الصلاة لأول مرة وعلي تهنئتنا بالعيد، شيء جميل..

لم يكن أحد منا يتوقع هذا النجاح، فقد كنا علي مدي الأيام الثلاثة الماضية نشاهد العروض الوطنية للدول المشاركة ونحن نضع أيدينا علي قلوبنا، بعض الدول قدمت عروضاً مميزة، مثل اليابان والبحرين ونيوزيلندا، ولكن انتظار وتحفز الجميع لما سيقدمه المصريون بما فيهم طاقم السفينة، كان يمثل عامل ضغط كبير علينا، فمصر من أهم الدول المشاركة والجميع يتوقع أن يري شيئاً مختلفاً..

أمس كان يوم العرض الخاص بنا مع نيوزيلندا والنرويج، وكنا آخر من سيقوم بالعرض، وفديّ النرويج ونيوزيلندا صرحوا لنا بقلقهم من العرض معنا في نفس اليوم، إذ يخشوا أن يقارنوا بنا!!. قمنا بالترتيبات والتحضيرات الأخيرة، جهزنا ملابس العرض، تأكدنا من وجود كل شيء في مكانه. المساعدة التي تلقيناها من المتطوعين اليابانيين وعبد الرحمن قائد وفد الإمارات كانت قيمة للغاية، ولكن العبرة بالنتائج. مر الوقت ثقيلاً ونحن نشاهد العرضين الآخرين، وجاء الوقت الذي هو من أهم أوقات الرحلة علي الإطلاق.

فكرة العرض كانت تقديم مصر من خلال النيل، سر الحياة بها، وتقديم صوراً للحياة علي ضفتيه بطول مصر من الجنوب للشمال، عن طريق المزج بين عرض الأفلام، و الغناء الجماعي، والرقصات الشعبية من النوبة والريف والإسكندرية والقاهرة.

جرت الأمور كما هو مخطط لها، وبث فينا التشجيع المستمر من الجميع حماساً إضافياً خرج بالعرض في شكل رائع، وكان الختام المؤثر عندما حمل حوالي 250 متفرج أعلام مصر والتفوا حولنا وظل الاحتفال بالعرض مدة أطول من العرض نفسه والذي لم يزد عن 30 دقيقة."

4 فبراير(الهند أم العجايب)

" عندما تزور الهند، أنصحك أنتحاول المكوث فيها وقتاً أطول مما مكثنا نحن، فبالرغم من زيارتنا لمدينة واحدة فقط وهي "مومباي"، فإن يومين لم يكونا كافيين علي الإطلاق.

في الميناء استقبلنا المسئولون المحليون والشباب الهندي بالورود والموسيقي الهندية، ذهبنا بعدها لمشاهدة عروض فنية هندية، وتناولنا غداء هندي حاااار مثل الجو تماماً.

بالرغم من الاختلافات الكثيرة بين الهند ومصر، إلا أنني شعرت بالألفة هنا وعلي وجوه الهنود العاديين، التي استقبلتنا ابتساماتهم في كل مكان ذهبناه. شيء مذهل وجود كل هذا التنوع في كل مظاهر الحياة، من تعدد الأديان واللغات وتباين مستويات المعيشة والأطعمة والملابس وكل شيء.

حصلنا علي بعض الساعات القليلة للتجول بحرية في المدينة، التجول بين المحال ومشاهدة المنتجات التقليدية كان ممتعاً، الفصال في الأسعار شيء عادي هنا، لكن الأسعار بشكل عام ليست مرتفعة. الحصول علي وجبة في مطعم هندي وإتباعها بكوب من المانجو الهندي كان مصدر سعادة للجميع، أيضاً كان تواجد زملاؤنا الهنود معنا أثناء الجولة مفيداً جداً، هنا يعرفون الإنجليزية لكن فهم اللكنة الهندية مسألة أخري.."

7 فبراير(النادي المصري)

" (Egy-Zone) هو اسم النادي المصري علي نيبون مارو. من حق أي وفد إنشاء نادياً يشترك فيه الآخرون لمعرفة المزيد عن ثقافة وفنون وحياة الدول المختلفة، أو أن يكون النادي ذو نشاط لا علاقة له بدولة بعينها مثل ناد للموسيقي أو الرسم. اليابان كانت صاحبة النصيب الأوفر من النوادي، كفنون القتال اليابانية والموسيقي والرقص الياباني وغيرها، ولم تنشئ دولاً أخري أي نوادي.

اليوم كان اللقاء الثاني لأعضاء النادي الذين تخطي عددهم 20 شخصاً. تدرب المشاركون علي عزف وغناء بعض الأغاني العربية، كما أخذوا فكرة عن قواعد اللغة العربية واللغة الهيروغليفية، وأتقنوا كتابة أسمائهم علي ورق البردي باللغتين، كما حصلوا علي هدايا ومطبوعات عن مصر. شعور رائع أن تقدم ثقافتك للآخرين وأن تري إقبالهم للمعرفة عنها.."

8 فبراير (وجه من القدس)

" (المتطوعون في الأمم المتحدة) كان هو موضوع السمينار أو الحلقة الدراسية الثانية التي تلقيناها في البرنامج، يوجد العديد من المواضيع التي يستطيع كل مشارك أن يختار أحدها في كل حلقة من الحلقات الثلاث التي تقام علي مدار البرنامج، لا شك أن هذا الموضوع يبدوا مشوقاً، لكن الذي دفعني لحضوره أكثر من أي شيء، أن المُحاضر في هذا السمينار هو المحاضر العربي الوحيد في البرنامج، وهي السيدة "تهاني طحبوب"، هي أردنية الجنسية و تعمل كمتطوعة للأمم المتحدة في مدينة القدس منذ عدة سنوات. بعد انتهاء السمينار شعرت بشغف للتعرف علي خبرة السيدة تهاني كمتطوعة، خصوصاً في ذلك المكان المليء بالمشاكل والنزاعات.

عرفت منها أن مسألة التطوع لم تكن في بالها عند دراستها للأدب الإنجليزي في الجامعة، ولا بعد أن عملت لفترة في مجال السياحة، ولكن الصدفة وحدها هي التي قادتها لتكون متطوعة في منظمة الأمم المتحدة..

تقول السيدة تهاني: "كانت تلك الفرصة هي أهم تجربة في حياتي علي الإطلاق، فبرغم الصعوبات الكبيرة التي قد تواجه المتطوعين في كل المجالات، إلا أن الانتساب لمنظمة مثل الأمم المتحدة أتاح لي فرصة رائعة لاكتساب خبرات ومهارات عملية و إنسانية لم أكن لأكتسبها في أي مكان آخر."

اكتسي وجهها بالحزن بعد سؤالي لها عن طبيعة العمل في ظل الظروف الرهيبة الموجودة في فلسطين. قالت أن الوضع لا يمكن وصفه من فرط المعاناة والظروف القاسية الموجودة في القدس، والتي تعتبر أفضل حالاً من الكثير من المدن الفلسطينية الأخرى، وأخيراً تمنت أن نهتم كشباب عربي بثقافة وحركات التطوع التي قد تمثل إضافة كبيرة لمجتمعاتنا، وتفعيلاً لدورنا كشباب.."

9 فبراير (بالضبط في نصف الأرض)

" اليوم عبرت نيبون مارو خط الاستواء لأول مرة خلال الرحلة، في طريقها إلي تنزانيا. أقيم حفل كبير بهذه المناسبة علي سطح السفينة، وهو تقليد تتبعه معظم السفن التي تعبر خط الاستواء. احتفظ قادة الوفود ببرنامج الحفل كمفاجأة، وفي الحفل أخبرنا قبطان السفينة عن تقليد كان يتبعه البحارة الرومان القدامى عند عبورهم لخط الاستواء، وهو الحصول علي إذن من "نبتون" إله البحار عندهم من أجل العبور، عن طريق تقديم الهدايا والقرابين له وغير ذلك..

وإذ بنا نجد القبطان يطلب منا أن ننادي "نبتون" بدورنا، لكي يظهر ونطلب منه الإذن، ووسط دهشتنا وضحكاتنا يظهر "عبد الرحمن" قائد وفد الإمارات مرتدياً زى "نبتون"، والذي قبل رجائنا وأعطانا مفتاح خط الاستواء بعد أن أهديناه فتاتان جميلتان في المقابل ("بيا" قائدة الوفد النرويجي، و"ديان" قائدة وفد نيوزيلندا). انتهي الحفل المميز وكانت الشمس تغرب في سفرها اليومي لبلاد الله، فهبطت علي وعد بالشروق علينا غداً في تنزانيا إن شاء الله.."

10 فبراير (دار السلام)

" دار السلام، عاصمة تنزانيا وأحد أكبر موانيء شرق أفريقيا، كان التجار العرب أول من رسوا بسفنهم فيها وأطلقوا عليها هذا الاسم، والذي يؤكد الجميع أنه اسم علي مسمي.

اليوم كان الاستقبال حافلاً، رقص أفريقي مبهج وموسيقي نحاسية، ووجوه تفوح بالطيبة والبشاشة. هذا غير وجود العديد من المشاركين السابقين في البرنامج، حيث يتاح لأي مشترك في كل عام أن يعود للسفينة في أحد الموانيء التي تقف فيها والتي تكون محددة سلفاً. هذا العام كانت "دار السلام" هي مكان اجتماع شمل المشاركون القدامى مع الجدد..

فور وصولنا دعينا إلي حفل استقبال علي شرف نائب الرئيس التنزاني، ثم توجهنا للمتحف الوطني واحد مراكز الصناعات اليدوية. إنها تمطر مجدداً مع ارتفاع الحرارة، هذا طبيعي، خط الاستواء فركة كعب.

في المساء استمتعنا بمشاهدة انعكاس البدر علي صفحة المياه في الميناء، والسمر والحكايات مع المشاركين السابقين الذين كانوا متأثرون جداً باستعادة تلك الذكريات القديمة، فهذا محمد من سلطنة عمان، وكان مشاركاً في البرنامج الثاني، أي منذ 14 عاماً مضت، ولم تزل لديه رغبة في عيش هذا الحلم مرة أخري، ولو لمدة 3 أيام فقط هي مدة توقف السفينة في "دار السلام". لم يستطع بعض المشاركون القدامى الآخرون أن يحبسوا دموعهم لوجودهم هنا مرة أخري، كلهم يؤكدون أنها من أكثر الخبرات أهمية وتأثيراً في حياتهم علي الإطلاق، إن لم تكن أكثرها أهمية.."

12 فبراير (ماتش الزمالك!!)

" في اليوم الثاني توجهنا إلي احدي المدارس الثانوية العريقة في دار السلام، المدرسة مبنية علي ربوة عالية علي أطراف المدينة، في الطريق شاهدنا الجبال الخضراء والأودية العميقة، وهناك كانت مدرسة (بوجو) الثانوية المبنية بدون أسوار حيث تحيط بها غابات خضراء من كل اتجاه. سريعاً اندمجنا مع الطلبة التنزانيين الذين اصطحبونا في جولة داخل المدرسة، بعدها بدأت منافسات رياضية بين شباب السفينة وطلبة المدرسة، فكان وقتاً ممتعاً للجميع. الشعب التنزاني عاشق لكرة القدم، وفوجئت ببعضهم يذكرني بكل فخر بإحدى المباريات التي هزم فيها فريق تنزاني فريق الزمالك المصري، لم أعرف الكثير عن هذا واكتفيت بالابتسام، وهم شعب طيب جداً علي أية حال..

نيبون مارو تغادر ميناء دار السلام، الجو أكثر من رائع، والجميع وقفوا لتأمل منظر الغروب والميناء وهو يختفي في الأفق. الوقت في تنزانيا كان ممتعاً رغم التدابير الأمنية التي أحاطت بنا في كل مكان."

14 فبراير(وهكذا تمضي الحياة)

" هذا الصباح لم يكن كأي صباح، صباح حزين للبعض، سعيد للبعض الآخر. أمام الكبائن تكومت الأغراض والحقائب استعداداً لانتقال الجميع إلي كبائن جديدة مع زملاء جدد، أسرعت أنا وزملائي في الكابينة (رود) و (تسوتشي) بالانتهاء من حزم الحقائب في صمت، لنقضي وقتنا الأخير في كابينتنا التي أمضينا فيها ثلاثة أسابيع سوياً، هنا تبادلنا الحكايات والهدايا والأحلام، واكتشفنا فيها مساحات مشتركة من الأفكار والطموحات والمشاعر. باختصار لم يكن تغيير الكبائن حدثاً سعيداً لأي من ثلاثتنا، خاصة أننا لا نعلم شيئاً عن زملائنا الجدد وهل سنتواصل معهم بنفس المستوي أم لا، ولكن ما باليد حيلة..

زملائي في الكابينة الجديدة كانوا (كنتارو) من اليابان، و(أرتم) من روسيا. حسناً إنه التغيير الذي يجب أن نقبله وأن نستمتع به أيضاً قدر الإمكان.."

15 فبراير (أنا في الجنة):

" اليوم وصلنا سيشل، وهي مجموعة جزر بركانية في المحيط الهندي غير بعيدة عن الساحل الشرقي لأفريقيا، حيث قطعنا المسافة من تنزانيا إلي سيشل في يومين فقط، سمعت كثيراً عن جمال الطبيعة في هذه الجزر، ولكنني لم أكن لأتخيل ما رأيته صباح اليوم.

استيقظت من النوم مبكراً، ورأيتها فرصة لمشاهدة السفينة وهي تقترب من الجزر وترسو في ميناء فكتوريا العاصمة، خرجت إلي مقدمة السفينة ورأيت ما رأيت، مجموعات الجزر متناثرة في المياه الفيروزية، وجميعها ذات طبيعة جبلية منحدرة ومكسوة باللون الأخضر بالكامل، السحاب يلامس قمم الجبال التي لا تبدوا مرتفعة كثيراً، والأمطار الاستوائية التي كانت تهطل بقوة، أكملت المشهد الساحر. كان (باول) قائد الوفد السيشلي واقفاً مع أعضاء وفده الذين لم يناموا طوال الليل في انتظار تلك اللحظات، وفي أثناء رقصهم وغنائهم فرحاً بالوصول إلي وطنهم، سألت (باول) في اندهاش (هل هذه الجنة؟!)، فضحك وقال لي: نعم هذه هي جنتنا الصغيرة سيشل..

بعد نزولنا إلي الميناء واستقبالنا بالورود والعصائر الاستوائية، أقلتنا الحافلة عبر طرق منحدرة وملتوية، حيث استقبلنا في أحد المراكز الاجتماعية ومن هناك ذهبنا لزيارة بعض الحدائق المفتوحة. رجعنا إلي مركز مدينة فكتوريا، وكان اليوم هو الأحد العطلة الأسبوعية هنا، لم تكن هناك إلا محال قليلة فاتحة أبوابها، والمدينة بشكل عام أعطتني انطباعاً بأنها ماكيت لمدينة حقيقية، فالشوارع والبيوت والمحال وكل شيء هنا أصغر من المعتاد، وعموماً ليس هناك الكثير من صنع الإنسان هنا مما يمكن رؤيته، فالطبيعة الخلابة هي المشهد الرئيسي، أما الحياة فهي بسيطة جداً، والسياحة هي العامل الأهم في اقتصاد سيشل.."

16 فبراير (يوم علي شاطئ المحيط):

" إنه اليوم الثاني والأخير في سيشل. صباحاً كانت جولة حرة للجميع في فكتوريا العاصمة، أما باقي اليوم فهو مخصص للقضاء علي أحد الشواطئ علي المحيط الهندي، الشاطئ ليس قريباً من المدينة، فاستغرقت الحافلة حوالي الساعة للوصول إليه، الشاطئ يتميز عن شواطئنا بوجود الخضرة والنخيل الاستوائي بكثرة، الرمال ناعمة جداً والمياه أكثر من رائعة.

بعد قضاء وقت لطيف بين المياه والشاطئ، تلقت مجموعتي دعوة من (كارل) - زميلنا السيشلي في المجموعة- لزيارة بيته والذي كان لحسن الحظ قريباً من الشاطئ، البيت يقع وسط بعض الجبال، وله حديقة ليست صغيرة مقارنة بمساحة الأراضي هنا. استقبلتنا والدته وإخوته لكننا لم نقض وقتاً طويلاً هناك، فتوجهنا جميعاً مرة أخري إلي نيبون مارو، استعداداً للإبحار اليوم.

أري مجموعات الجزر تبتعد شيئاً فشيئأ، وأضوائها الصغيرة تتراقص مع هبوط الظلام تدريجياً، وهاهي سحابة ثقيلة تلقي بمزيد من الأمطار عليها، لكي تظل جنة كما هي، وداعاً سيشل..”

18 فبراير(الليلة المصرية):

" جرت العادة علي السفينة أن يقيم كل وفد حفلاً يشارك فيه الجميع، للاستمتاع بفنون وثقافة كل بلد و قضاء وقت لطيف بالطبع، واليوم كان الحفل المصري الذي انتظره الجميع. منذ عدة أيام ونحن نحضر للحفل، فنظمنا مسابقة ثقافية عن مصر يشارك فيها الجميع وتوزع جوائزها في الحفل، كما حضرنا الموسيقي والمطبوعات والمشروبات والجوائز وكل شيء.

بدأ الحفل في الثامنة مساءاً في قاعة الدولفين، وبالرغم من وجود أنشطة أخري تقام في نفس التوقيت إلا أن معظم الشباب المشارك وأفراد الإدارة حرصوا علي المشاركة بل والمساعدة في ترتيبات الحفل. استمتع الجميع بالموسيقي والمشروبات المصرية، وجرب البعض ارتداء الأزياء الفولكلورية المصرية. كانت كتابة الأسماء بالعربية والهيروغليفية علي ورق البردي مفاجأة سعيدة لكثيرين، وكانت الأمسية مصرية بحق.."

20 فبراير(احذر من القراصنة):

" منذ عدة أيام ونحن ممنوعون من الخروج إلي سطح السفينة بعد الحادية عشر مساءاً، لأننا نمر بمنطقة قراصنة!! لم أكن أعلم أنا وكثيرين أنه لا يزال هناك قراصنة حقيقيين، لكن القبطان أكد لنا أن هذه المنطقة بها بعض العصابات المرتزقة التي تعيش في جزر قريبة غير مأهولة، واعتادوا بين الحين والآخر مهاجمة السفن الكبيرة خصوصاً ناقلات البضائع، وبالرغم أن نيبون مارو لم تتعرض من قبل لهجوم القراصنة، إلا أن الاحتياط واجب وأكثر عند اليابانيين.

أمس فقط عبرنا تلك المنطقة وأصبح بمقدورنا الخروج مجدداً إلي سطح المركب ليلاً للاستمتاع بمنظر المحيط والنجوم والشهب أحياناً، وقضاء الأمسيات والأحاديث مع الجميع..

ومنذ تركنا لتنزانيا أصبحنا نتجه شرقاً، فأصبحنا نفقد نصف ساعة من التوقيت بشكل شبه يومي، مما يعني نقص عدد ساعات النوم، ولكن من ذا الذي ينام علي نيبون مارو؟!"

24 فبراير (سنغافورة كمان وكمان):

" في طريق عودتنا لليابان كان لابد من التوقف في سنغافورة مجدداً؛ لإعادة تموين المياه والوقود، وقد علمنا أن السفارة المصرية هناك قد أعدت لنا حفل استقبال ولقاءاً مع شباب من سنغافورة..

في حوالي السابعة صباحاً وصلت نيبون مارو إلي ميناء سنغافورة، سريعاً تناولنا الإفطار وانطلقنا إلي الخارج، هذه المرة كان المكان قد أصبح مألوفاً لنا نوعاً ما، أقلتنا سيارات التاكسي عبر شوارع المدينة إلي أحد ضواحيها الهادئة حيث توجد السفارة المصرية، علي الباب استقبلتنا السيدة السفيرة "نادية كفافي"، وذكرنا المكان بنفس الشعور الذي شعرناه في سفارتنا في طوكيو، الوجوه والديكور والموسيقي مصرية، كما أن الطعمية التي افتقدناها كثيراً كانت الصنف الأهم علي وجبة الإفطار التي دعينا إليها، ما أجمل العودة للبيت!

لم يمض وقت طويل حتى وصل وفد الشباب السنغافوري، حوالي عشرين شاب وفتاة في نفس أعمارنا تقريباً، تم التعارف سريعاً، فبحكم انتمائهم لهذا البلد فجميعهم يجيد الإنجليزية وليس لديهم مشكلة في التعامل مع الأجانب الموجودون في كل مكان هنا، كما أنهم أنفسهم ينحدرون من ثلاث قوميات تشكل التركيبة السكانية لسنغافورة (الهنود، الصينيون، الماليزيون).

الوقت هنا ليس طويلاً، تبادلنا الأحاديث والتقاط الصور، ثم ودعتنا السيدة السفيرة وانطلقنا مع أصدقائنا الجدد إلي قلب المدينة، البداية في بعض المعالم الرئيسية للمدينة، وبعدها نقضي وقتاً حراً كل حسب رغبته. أول زيارة كانت لمعبدين أحدهما هندوسي والآخر بوذي، ولا يفصلهما إلا أمتار قليلة، التنوع هنا مثير، قوميات وديانات عدة، وشركات متعددة الجنسيات في مزيج متجانس وفي بلد واحد.

الانتقال كان سهل جداً، المترو مريح وسريع، والحافلات والتاكسي توفران نفس المستوي من الخدمة وبأسعار معقولة جداً، استعملنا المترو الجديد الذي لا يحتاج لسائق، للذهاب إلي المكان الثاني وهو “المرليون"Merlion، وهو تمثال برأس أسد وجسم سمكة يحرس خليج نهر سنغافورة، وهو رمز سنغافورة الأشهر.

قبل أن نترك "المرليون" توزعنا علي أصدقائنا السنغافوريين، تمهيداً لانطلاقنا في مجموعات صغيرة أكثر سهولة في الحركة، وليذهب كل منا إلي المكان الذي يريد، قبل أن نعود جميعاً إلي السفينة مساءاً. مرافقي كان "كيفين" وهو شاب سنغافوري من أصول صينية وعمره 21 عام، يدرس تكنولوجيا المعلومات وهو في السنة الأخيرة من دراسته. لم يدخر "كيفين" أي جهد ليجعلني أستمتع بالجولة، وقبل أي شيء ذهبنا لتناول الغداء في (سوق للطعام).. مكان واسع ومسقوف، مقسم إلي شوارع مليئة بطاولات الطعام وعلي الجانبين عشرات المطاعم التي تقدم مأكولات ومشروبات علي كل صنف ولون. الأسعار جيدة، والوجبة الماليزية التي تناولتها كانت من أشهي الوجبات التي تناولتها في حياتي..

استمتعت باقي اليوم بالتسوق والتجول في المدينة بصحبة "كيفين" الذي كان حريص علي أن يعود بي إلي الميناء في الوقت المناسب للحاق بالسفينة، وهناك تجمعنا ثانية وودعنا أصدقائنا السنغافوريين، الذين شعرنا بالفعل أنهم أصدقاء حقيقيين، رغم قصر المدة التي قضيناها سوياً، وانطلقت نيبون مارو إلي محطتها الأخيرة.. اليابان. "

25 فبراير(الفرح شاطر):

" واتارو سيعزف علي الطبلة، وساتومي وستيو وريئي سيعزفون علي الدفوف و الصاجات، أما باقي أعضاء النادي المصري فسيغنون جميعاً أغنية (هيي هيي) لمحمد منير بمصاحبة العود الذي سأعزفه أنا، لقد تعلموا الأغنية في وقت قياسي رغم صعوبة نطق الحروف العربية لديهم. المناسبة كانت حفل أو معرض النوادي علي السفينة، كل ناد سيقدم أفضل ما لديه من مهارات جديدة اكتسبها أعضائه من الجنسيات المختلفة، وبالطبع النادي المصري منافس قوي جداً، فغير الغناء يوجد رقص نوبي وبلدي، وعرض للوحات من البردي كتب عليها أعضاء النادي بالهيروغليفية والعربية.

قبل العرض كان الجميع متوتراً وقلقاً رغم أننا تدربنا بما فيه الكفاية، أما علي المسرح فكانت الأمور علي ما يرام، وكان عرض النادي المصري من أقوي العروض، رغم قوة نواد أخرى مثل نادي الرقص اللاتيني، أو نوادي فنون الدفاع عن النفس اليابانية.."

27 فبراير (حوارات موسيقية):

" قابلنا (ياتشي) لأول مرة في القرية الأولمبية في طوكيو، كنت ماشياً بصحبة نرمين وهبة زميلاتي في الوفد المصري، عندما ألقيت هي التحية علينا وكانت تحمل حقيبة سوداء كبيرة يبدوا أنها لآلة موسيقية لم أعرف ما هي، عرضت عليها المساعدة في حمل الحقيبة الثقيلة، وسرعان ما أصبحنا أصدقاء. عمرها 26 سنة وبالفعل الحقيبة كان بها آلة موسيقية يابانية تسمي (كوتو) تشبه القانون عندنا في الشكل وطريقة العزف، وبما أني أعزف العود الذي أخذته معي لحسن الحظ، فنورت في رأسي فكرة أن أقوم بالعزف معها، موسيقي ما نمزج فيها بين الموسيقي العربية واليابانية، وكلما تواعدنا علي السفينة أن نقوم بهذا أخذتنا غمرة الأنشطة الأخرى لنؤجل الميعاد..

لكني عرفت أن حفلاً فنياً سيقام علي السفينة، المشاركة فيه مفتوحة لكل من يريد شريطة الحجز المسبق، وقبل فوات ميعاد الحجز سألت (ياتشي): "أنفعلها؟"، فقالت لي: "نعم، قم أنت بالحجز، ثم نتدرب سوياً"، وبالفعل حجزت فقرة تحت عنوان “Japarab music”، ثم بدأنا في التدريب. لم نكن نعرف ما سنفعل، لكننا في يومين فقط استطعنا المزج بين أغنية يابانية قديمة اسمها "ساكورا"، وأغنية"يمامة بيضا ومنين أجيبها"، وكانت النتيجة مدهشة..

في الحفل اتفقت معها أن ارتدي أنا(كيمونو) ياباني استعرته من (كنتارو)زميلي في الكابينة، وهي ترتدي جلباباً عربياً استعارته من (نادية) قائدة الوفد البحريني، الحقيقة أن رد الفعل من كل الموجودين كان رائعاً، وكانت هذه أحد أفضل المرات التي عزفت فيها علي العود في حياتي..

28 فبراير(نعم تغيرنا):

" النهاردة أجازة و كان العشاء اليوم علي سطح السفينة بشكل استثنائي. الكل يعرف أن العد التنازلي لنهاية الرحلة قد بدأ، ولم يبق إلا أقل من 5 أيام. أهكذا تنتهي الأوقات الجميلة ببساطة، بدأنا في الاقتراب من بعضنا أكثر رغم كل المسافات، وبدأنا في تبادل أحاديث أكثر عمقاً، الجميع منفعل جداً بما حدث ويحدث، وما سيحدث خلال أيام من انتهاء مفاجئ لهذا الحلم. بعد العشاء تبادلت الأحاديث مع البعض عن الرحلة.

(كنتارو) زميلي في الكابينة تحدث بتأثر عن مشاعره بخصوص الرحلة، فقال أنها كانت أهم تجربة في حياته، وأنه يعتقد أن حياته ستتغير بعدها تماماً، لكن نادية وبثينة ولينا من البحرين كانت لهن نظرة أخري، فقلن أنهن سعيدات بحياتهن كما هي، لكن التغيير الحقيقي كان اكتساب القدرة علي مزيد من تفهم للآخرين، بغض النظر عن اختلافاتهم مهما كانت غير مقبولة، أما ستيف من نيوزيلندا فكان يجلس وحيداً هادئاً أمام المحيط، رغم ضجته المعتادة، ووسط حديثنا عن البرنامج نظر إلي بشيء من الحزن وقال لي ما هو أكثر شيء ستفتقده هنا؟ فأجبته: الناس!.."

1 مارس (قبل أن نقول وداعاً):

"حفل الوداع، ما أسوأ الوداع، رغم أن الوداع الحقيقي مازال أمامه يومين، حاول الجميع أن يضفوا جواً من المرح والسعادة علي الحفل، وكانت معدلات تبادل الهدايا والكروت الشخصية أكثر من أي وقت مضي علي السفينة، فلاشات الكاميرات لم تتوقف أيضاً وهي تحتفظ بما تبقي من لحظات جميلة علي ظهر نيبون مارو.

فوجئت ببعض المشاركين الذين لم يكن لي علاقة قوية بهم، يأتوا ليشكرونني علي أشياء بسيطة قد أكون فعلتها معهم، ولكنهم قدروها كثيراً، ووجدتني أفعل نفس الشيء مع آخرين، حرارة الجو كانت قد بدأت في الانخفاض مع دخولنا المياه الإقليمية لليابان، أما المشاعر فحرارتها ارتفعت كثيراً.."

3 مارس (هنا يوكوهاما.. وداعاً):

" حسناً، فكما تبدأ الأشياء لابد أن تنتهي، واليوم انتهي هذا الحلم ببساطة كما بدأ. التعليمات كانت أن نخلي الكبائن ونتجمع في قاعة الدولفين بأمتعتنا، لقد وصلنا ميناء يوكوهاما بالفعل، ولم نعد نري اللون الأزرق الممتد بدرجاته بلا حدود، كما كنا نراه طوال 43 يوم مضت. في البداية خرجنا جميعاً من السفينة لإنهاء إجراءات الوصول قبل أن ندخل مرة أخري، لنشهد ختام البرنامج رسمياً.

ألقيت كلمة الختام، وتناولنا سوياً آخر وجبة غداء علي السفينة، لم يكن طعم الأكل ككل مرة، ردود الفعل علي ما يحدث كانت مختلفة، فالبعض قرر أن يختلي بنفسه بعيداً عن الآخرين، وآخرين انخرطوا في إلقاء التحية علي الجميع بالأيادي والعيون أيضاً، وكثيرين لم يستطيعوا أن يحبسوا دموعهم التي انهمرت في صمت.

أما أكثر المشاهد جلالاً فكانت عندما فوجئنا بأفراد الإدراة اليابانيين، يقومون بإخراج كل المشاركين اليابانيين خارج قاعة الحفل، ولم نكن قد انتهينا من إلقاء الوداع الأخير علي الجميع بعد، كانت صدمة، لكنهم ما لبثوا أن أخرجونا بعدهم (غير اليابانيين)، لنجد المشاركين اليابانيين مصطفين وراء حاجز قصير بجوار بوابة السفينة، وعلينا أن نلقي عليهم التحية في طريقنا للخروج من البوابة، وكانت هذه هي أكثر اللحظات دراماتيكية في الرحلة كلها. خارج السفينة فوجئت ببعض أعضاء الوفد النيوزيلندي يخلعون قمصانهم، ويقومون بكل ما أوتوا من مشاعر بأداء رقصة (الهاكا)، وهي رقصة للسكان الأصليين في نيوزيلندا مليئة بالانفعالات والصيحات التي تملأ النفس رهبة، أدوها كتحية أخيرة لنيبون مارو، بيتنا العائم الذي غادرناه. هنا وجدت نفسي أستند علي كتف (حسين) من البحرين، وأنا غير مصدق لما يحدث، لقد كانت نهاية مؤثرة للحلم، وتفرقنا جميعاً كما تجمعنا، ليستقل كل وفد طائرته، للعودة إلي أوطاننا الحقيقية، للعودة إلي الذات، لكن بعد التغيير."

عمر مصـــطفي

عضو الوفد المصري- سفينة شباب العالم 16

اليابان 2004

أعضاء الوفد المصري

1- إبراهيم زكي الصاوي (القائد)

2- محمد عبد المجيد (مساعد)

3- نيفين إيليا بشاي (مساعد)

4- هبة شكري محمد

5- نعمة عثمان محمد

6- يوسف عادل شوقي

7- نرمين يسري عبد الخالق

8- عمر أحمد محمد

9- أشرف سيد السمان

10- أحمد سمير فودة

11- ريهام رأفت مصطفي

12- هاني طوماس سعيد